فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجوز أن يراد بالدار الآخرة أي لهم العقبى الحسنة في الدار الآخرة، وقيل: الجار والمجرور خبر اسم الإشارة و: {عقبى} فاعل الاستقرار، وأيامًا كان فليس فيه قصر حتى يرد أن بعض ما في حيز الصلة ليس من العزائم التي يخل إخلالها بالوصول إلى حسن العاقبة.
وقال بعضهم: إن المراد مآل أولئك الجنة من غير تخلل بدخول النار فلا بأس لو قيل بالقصر، ولا يلزم عدم دخول الفاسق المعذب الجنة، والقول إنه موصوف بتلك الصفات في الجملة كما ترى.
والجملة خبر للموصولات المتعاطفة إن رفعت بالابتداء أو استئناف نحوي أو بياني في جواب ما بال الموصوفين بهذه الصفات؟ إنجعلت الموصولات المتعاطفة صفات لأولي الألباب على طريقة المدح من غير أن يقصد أن يكون للصلات المذكورة مدخل في التذكر، والأول أوجه لما في الكشف من رعاية التقابل بين الطائفتين، وحسن العطف في قوله تعالى: {والذين يَنقُضُونَ} [الرعد: 25] وجريهما على استئناف الوصف للعالم ومن هو كأعمى.
وقوله سبحانه: {جنات عَدْنٍ} بدل من: {عقبى الدار} [الرعد: 22] كما قال الزجاج بدل كل من كل، وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون مبتدأ خبره قوله تعالى: {يَدْخُلُونَهَا} وتعقب بأنه بعيد عن المقام، والأولى أن يكون مبتدأ محذوف كما ذكر في البحر ورد بأنه لا وجه له لأن الجملة بيان لعقبى الدار فهو مناسب للمقام، والعدن الإقامة والاستقرار يقال: عدن بمكان كذا إذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر أي جنات يقيمون فيها، وأخرج غير واحد عن ابن مسعود أنه قال: {جنات عَدْنٍ} بطنان الجنة أي وسطها، وروى نحو ذلك عن الضحاك إلا أنه قال: هي مدينة وسط الجنة فيها الأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وجاء فيها غير ذلك من الأخبار، ومتى أريد منها مكان مخصوص من الجنة كان البدل بدل بعض من كل.
وقرأ النخعي: {جَنَّةُ} بالأفراد، وروى عن ابن كثير وأبي عمرو: {يَدْخُلُونَهَا} مبنيًا للمفعول: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ} جمع أبوي كل واحد منهم فكأنه قيل: من آبائهم وأمهاتهم: {وأزواجهم وذرياتهم} وهو كما قال أبو البقاء عطف على المرفوع في يدخلون وإنما ساغ ذلك مع عدم التأكيد للفصل بالضمير الآخر، وجوز أن يكون مفعولًا معه.
واعترض بأن واو المعية لا تدخل إلاعلى المتبوع.
ورد بأن هذا إنما ذكر في مع لا في الواو وفيه نظر، والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهليهم وأن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعًا لهم تعظيمًا لشأنهم.
أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن جرير قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي أين ولدي أين زوجتي؟ فيقال: لم يعملوا مثل عملك فيقول: كنت أعمل لي ولهم ثم قرأ الآية، وفسر: {مِنْ صالح} بمن آمن وهو المروي عن مجاهد وروى ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفسر ذلك الزجاج بمن آمن وعمل صالحًا، وذكر أنه تعالى بين بذلك أن الأنساب لا تنفع إذا لم يكن معها أعمال صالحة بل الآباء والأزواج والذرية لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة.
ورد عليه الواحدي فقال: الصحيح ما روى عن ابن عباس لأن الله تعالى جعل ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة، وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة فلو دخلوها بأعمالهم لم يكن في ذلك كرامة للمطيع ولا فائدة في الوعد به إذ كل من كان مصلحًا في عمله فهو يدخل الجنة.
وضعف ذلك الإمام بأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزويه سرورًا وبهجة فإذا بشر الله تعالى المكلف بأنه إذا دخل الجنة يحضر معه أهله يعظم سروره وتقوى بهجته.
ويقال: إن من أعظم سرورهم أن يجتمعوا فيتذاكروا أحوالهم في الدنيا ثم يشكرون الله تعالى على الخلاص منها، ولذلك حكى سبحانه عن بعض أهل الجنة أنه يقول: {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} [يس: 26، 27] وعلى هذا لا تكون الآية دليلًا على أن الدرجة تعلو بالشفاعة.
ومنهم من استدل بها على ذلك على المعنى الأول لها.
وتعقب بأنها أيضًا لا دلالة لها على ما ذكر.
وأجيب بأنه إذا جاز أن تعلو بمجرد التبعية للكاملين في الإيمان تعظيمًا لشأنهم فالعلو بشفاعتهم معلوم بالطريق الأولى.
وقال بعضهم: إنهم لما كانوا بصلاحهم مستحقين لدخول الجنة كان جعلهم في درجتهم مقتضى طلبهم وشفاعتهم لهم بمقتضى الإضافة.
والحق أن الآية لا تصلح دليلًا على ذلك خصوصًا إذا كانت الواو بمعنى مع فتأمل، والظاهر أنه لا تمييز بين زوجة وزوجة وبذلك صرح الإمام ثم قال: ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه.
وما روى عن سودة أنها لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاقها قالت: دعني يا رسول الله أحشر في جملة نسائك كالدليل على ما ذكر.
واختلف في المرأة ذات الأزواج إذا كانوا قد ماتوا عنها فقيل: هي في الجنة لآخر أزواجها.
ويؤيده كون أمهات المؤمنين زوجاته صلى الله عليه وسلم فيها مع كون أكثرهن كن قد تزوجن قبل بغيره عليه الصلاة والسلام.
وقيل: هي لأول أزواجها كامرأة أخبرها ثقة أن زوجها قد مات ووقع في قلبها صدقه فتزوجت بعد انقضاء عدتها ثم ظهرت حياته فإنها تكون له.
وتعقب بأن هذا ليس من هذا القبيل بل هو يشبه ما لو مات رجل وأخبر معصوم كالنبي بموته فتزوجت امرأته بعد انقضاء العدة ثم أحياه الله تعالى وقد قالوا في ذلك: إن زوجته لزوجها الثاني.
وقيل: إن الزوجة تخير يوم القيامة بين أزواجها فمن كان منهم أحسنهم خلقًا معها كانت له وارتضاه جمع.
وقرأ ابن أبي عبلة: {صالح} بضم اللام والفتح أفصح؛ وعيسى الثقفي: {ذُرّيَّتُهُم} بالتوحيد: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ} من أبواب المنازل.
أخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك أنه قرأ الآية حتى ختمها ثم قال: «إن المؤمن لفي خيمة من درة مجوفة ليس فهيا جذع ولا وصل طولها في الهواء ستون ميلًا في كل زاوية منها أهل ومال لها أربعة آلاف مصراع من ذهب يقوم على كل باب منها سبعون ألفًا من الملائكة مع كل ملك هدية من الرحمن ليس مع صاحبه مثلها لا يصلون إليه إلا بإذن بينه وبينهم حجاب» وروى عن ابن عباس ما هو أعظم من ذلك.
وقال أبو الأصم: أريد من كل باب من أبواب البر ك باب الصلاصة وباب الزكاة وباب الصبر، وقيل: من أبواب الفتوح والتحف، قيل: فعلى هذا المراد بالباب النوع و: {مِنْ} للتعليل، والمعنى يدخلون لاتحافهم بأنواع التحف، وتعقب بأن في كون الباب بمعنى النوع كالبابة نظرًا فإن ظاهر كلام اوساس وغيره يقتضي أن يكون مجازًا أو كناية عما ذكر لأن الدار التي لها أبواب إذا أتاها الجم الغفير يدخلونها من كل باب فأريد به دخول الأرزاق الكثيرة عليهم وأنها تأتيهم من كل جهة وتعدد الجهات يشعر بتعدد المائتيات فإن لكل جهة تحفة.
{سلام عَلَيْكُمُ} أي قائلين ذلك وهو بشارة بدوام السلامة، فالجملة مقول لقول محذوف واقع حالًا من فاعل: {يَدْخُلُونَ} [الرعد: 23] وجوز كونها حالًا من غير تقدير أي مسلمين، وهي في الأصل فعلية أي يسلمون سلامًا، وقوله تعالى: {بِمَا صَبَرْتُمْ} متعلق كما قال أبو البقاء بما تعلق به: {عَلَيْكُمْ} أو به نفسه لأنه نائب عن متعلقه، ومنع هذا كما قال السيوطي السفاقسي وقال: لا وجه له، والصحيح أنه متعلق بما تعلق به: {عَلَيْكُمْ} وجوز الزمخشري تعلقه بسلام على معنى نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم؛ ومنعه أبو البقاء بأن فيه الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبي وهو الخبر، ووجه ذلك في الدر المصون بأن المنع إنما هو في المصدر المؤول بحرف مصدري وهذا ليس منه مع أن الرضي جوز ذلك مع التأويل أيضًا وقال: لا أراه مانعًا لأن كل مؤول بشيء لا يثبت له جميع أحكامه، وجوز لهذه العلة العلامة الثاني تقديم معمول المصدر المؤول بأن والفعل عليه في نحو قوله تعالى: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور: 2] وقال في الكشف: إن: {عَلَيْكُمْ} نظرًا إلى الأصل غير أجنبي فلذلك جاز أن يفصل به، على أن الزمخشري لم يصرح بأنه معموله بل من مقتضاه ولذا قال: أي نسلم إلخ فدل على أن التعلق معنوي يقدر ما يناسبه، ولوجعل معمولًا للظرف المستقر أعني: {عَلَيْكُمْ} فيكون متعلقًا معنى بسلام ضرورة لكان وجهًا خاليًا عن التكليف، وجعله أبو حيان خبر مبتدأ محذوف و: {مَا} مصدرية والباء سببية أو بدلية أي هذا الثواب الجزيل بسبب صبركم في الدنيا على المشاق أو بدله.
وعن أبي عمران بما صبرتم على دينكم، وعن الحسن عن فضول الدنيا، وعن محمد بن النصر على الفقر، والتعميم أولى، وتخصيص الصبر بالذكر من بين الصلات السابقة لما أنه ملاك الأمر والأمر المعنى به كما علمت: {فَنِعْمَ عقبى الدار} أي فنعم عاقبة الدنيا الجنة، وقيل: المراد بالدار الآخرة، وقال بعضهم: المراد أنهم عقبوا الجنة من جهنم، قال ابن عطية: وهذا مبني على ما ورد من أن كل رجل من أهل الجنة قد كان له مقعد من النار فصرفه الله تعالى عنه إلى النعيم فيعرض عليه ويقال له: هذا مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى بالجنة بإيمانك وصبرك.
وقرأ ابن يعمر: {فَنِعْمَ} بفتح النون وكسر العين وذلك هو الأصل، وابن وثاب: {فَنِعْمَ} بفتح النون وسكون العين وتخفيف فعل لغة تميم، وجاء فيها كما في الصحاح: {نِعْمَ} بكسر النون واتباع العين لها؛ وأشهر استعمالاتها ما عليه الجمهور.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن إبراهيم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبول الشهداء على رأس كل حول فيقول: {سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} وكذا كان يفعل أبو بكر. وعمر. وعثمان رضي الله تعالى عنهم، وتمسك بعضهم بالآية على أن الملك أفضل من البشر فقالوا: إنه سبحانه ختم مراتب سعادات البشر بدخول الملائكة عليهم على سبيل التحية والإكرام والتعظيم والسلام فكانوا أجل مرتبة من البشر لما كان دخولهم عليهم لأجل السلام والتحية موجبًا علو درجاتهم وشرف مراتبهم، ولا شك أن من عاد من سفره إلى بيته فإذا قيل في معرض كمال مرتبته أنه يزوره الأمير والوزير والقاضي والمفتي دل على أن درجة المزور أقل وأدنى من درجات الزائرين فكذا ههنا، وهو من الركاكة بمكان.
ولم لا يجوز أن يكون ما هنا نظير ما إذا أتى السلطان بشخص من عماله الممتازين عنده قد أطاعه في أوامره ونواهيه إلى محل كرامته ثم بعد أن أنزله المنزل اللائق به أرسل خدمه إليه بالهدايا والتحف والبشارة بما يسره فهل إذا قيل: إن فلانًا قد أحله السلطان محل كرامته ودار حكومته وأنزله المنزل اللائق به وأرسل خدمه إليه بما يسره كان ذلك دليلًا على أن أولئك الخدم أعلى درجة منه؟ لا أظنك تقول ذلك.
نعم جاء في بعض الأخبار ما يؤيد بظاهره ما تقدم، فقد أخرج أحمد والبزار وابن حبان والحاكم وصححه وجماعة عن عبد الله بن عمرو قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة من خلق الله تعالى فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور وتتقي بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة: ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم فيقول الله تعالى: إن هؤلاء عباد لي كانوا يعبدوني ولا يشركون بي شيئًا وتسد بهم الثغور وتتقي بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» ومن أنصف ظهر له أن هذا لا يدل على أن الملائكة مطلقًا أفضل من البشر مطلقًا كما لا يخفى، وذكر الإمام الرازي في تفسير الآية على الوجه المروى عن الأصم في تفسير دخول الملائكة من كل باب أن الملائكة طوائف منهم روحانيون ومنهم كروبيون فالعبد إذا راض نفسه بأنواع الرياضات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة ولكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوى مختص بتلك الصفة مزيد اختصاص فعند الموت إذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الأرواح السماوية ما يناسبها من الصفات المخصوصة فيفيض عليها من ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لا تظهر إلا في مقام الصبر ومن ملائكة الشكر كمالات روحانية لا تتجلى إلا في مقام الشكر وهكذا القول في جميع المراتب. اهـ.
وتعقبه أبو حيان بأنه كلام فلسفي لا تفهمه العرب ولا جاءت به الأنبياء عليهم السلام فهو مطروح لا يلتفت إليه المسلمون.
وأنت تعلم أن مثل هذا كلام كثير من الصوفية. اهـ.

.قال القاسمي:

{أَفَمَن يَعْلَمُ} أي: يصدق: {أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} يعني القرآن: {الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} أي: كمن لا يعلم ذلك، إلا أنه أريد تقبيح حاله فعبر عنه بالأعمى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} أي: العقول المبرأة عن مشايعة الإلف ومتابعة الوهم.
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ} أي: مما كلفهم به: {وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} أي: ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين العباد، وهو تعميم بعد تخصيص، وفيه تأكيد للاستمرار المفهوم من صيغة المستقبل. أفاده أبو السعود.
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} أي: من أرحامهم وقراباتهم وإخوانهم المؤمنين، بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم، والذب عنهم، والشفقة عليهم، والنصيحة لهم، وكف الأذى عنهم: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي: يعملون له أو يخافون وعيده فلا يعصونه فيما أمر: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}.
{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي: يدفعون بالكلام الحسن الكلام السيئ إذا خاطبهم به الجاهلون، كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} [المؤمنون: من الآية 96] الآية، أو يتبعون السيئة الحسنة لتمحوها: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} أي: عاقبة الدنيا وهي الجنة؛ لأنها مرجع أهلها. فتعريف الدار للعهد.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [23- 24].
{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أي: آمن ووحَّد وعمل صالحًا من هؤلاء.
قال أبو السعود: وفي التقييد بالصلاح قطع للأطماع الفارغة لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب.
وأصله للزجَّاج حيث قال: بيَّن تعالى أن الأنساب لا تنفع إذا لم يحصل معها أعمال صالحة، بل الآباء والأزواج والذاريات لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة.
وقرئ- شاذًا- بضم لام {صَلْح}. قال الزمخشري: والفتح أفصح.
{وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ}. اهـ.